هل يعقل أولئك الذين يمسهم الضر في البر أو في البحر فيضرعون
إلي الأوليـاء و الصالحين ليغيثوهم من طغيان الموج أو ينقذوهم من عصف الرياح ؟
هل يعقل أولئـك الذين يسألون الموتي قضاء حاجاتهم وتفريج كروبهم ؟
أمـا إنهم لو عقلوا لاستجابوا لداعي الفطرة ، وآمنـــوا بالله وحده وكفروا بما كانوا به مشركين
فالحمد
لله الذي أقام في كل شئ شاهدا بوحدانيته ، وآية بينة علي أنه الحي القيوم
الذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي بيده خزائن السموات والأرض ، ولكن
الغافلين شلوا عقولهم وجمدوا علي ما كان عليه آباؤهم ، وآثروا منافع
العاجلة وشهوات الحياة الدنيا ، وأمجادها الباطلة ، وأعراضها الزائلة ، وهم
أكثر من تري من هذه المخلوقات التي لها أجساد الآدميين وعقول الأنعام )
أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( ، أولئـك الذين رضوا بالجهل
حظا ، وبالجمود نصيبا وتنكروا للحق وحرصوا علي الباطل وضلوا سواء السبيل
نسأله الله أن يزيدنا معرفة به وعلما بالحق ، واستمساكا به ، وانصرافا عن الباطل والمبطلين .
قال الله عز وجل :
)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا
وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ ( [ سورة النحل : 75 ]
لله در الأمثال ، تقرب المعاني البعيدة ، وتيسر الفهم لمن يعسر عليهم الفهم ، وتزيد المعني وضوحا وبيانا .
أراد
الله تعالي أن يضرب المثل للمشركين الذين يجعلون لله أندادا يدعونهم مع
الله أو من دون الله ، ويتضرعون إليهم ، وينذرون لهم ، ويهتفون بأسمائهم ،
ويسترزقونهم ويستدفعون بهم الكروب ، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا ،
فهم أحري ألا يملكوا ذلك لغيرهم .
يقول تعالي ما معناه : تصوروا عبدا
رقيقا لا يملك شيئا ، ولا يقدر علي شئ ، ولا يمكنه سيده من أي نوع من أنواع
التصرف ، فلا يبيع ولا يشتري ، ولا يرهن ولا يهب ، ولا يوصي ولا يتصدق ولا
يقدر علي عمل مما يعمله الأحرار .
وتصوروا حرا كريما رزقه الله رزقا
حسنا وبسط له في رزقه ، ومكن له في الأرض ، وآتاه مالا وعقارا ، ولم يجعل
له في ملكه شريكا يحاسبه أو يعقب علي تصرفه ، أو يسأل عن شئ مما عمل فأصبح
ينفق من ثروته سرا وجهرا و ليلا ونهارا ، ويواسي المحتاج والمنكوب ويتصدق
علي الفقير والمسكين .
فإذا تصورتم هذا وذاك ، فوازنوا بينهما بعقولكم ثم احكموا : هل يستويان ؟
هل يستوي العبد والحر ؟ هل يستوي الذي لا يملك شيئا ولا يقدر علي شئ ، ومن يملك كل شئ ويقدر علي كل شئ ؟
لن تجدوا محيصا عن الإقرار بالحق والإعتراف بالواقع . وستقولون : لا ؛ لا يستويان ولا يمكن أن يقول العاقل غير ذلك .
ألا فأعلموا أن هذا مثل ضربه الله عز وجل للناس لعلهم يتفكرون ، فإذا كان هذان المخلوقان لا يستويان ، فكيف يستوي المخلوق
والخالق ، والمرزوق والرازق والعاجز عن كل شئ والقادر علي كل شئ ؟
فهذا
العبد المملوك الذي لا يقدر علي شئ ضربه الله عز و جل مثلا لكل ما يدعي من
دون الله من حجر وشجر ، وحيوان وطير ، وأنس وجن ، وملك وشيطان . فكلها لا
تملك مع الله شيئا ولاتملك لنفسها ولا لغيرها نفعا ولا ضرا .
فكيف يبيح العاقل لنفسه ؛
أن يدعوا من دون الله أو مع الله حجرا جامدا لا حراك به ، ولا حس له ولا شعور .
أو يدعوا حيوان مسخرا لخدمة الانسان ، خلق لمنفعته ، لا عقل له ولا كرامة يقوده الغلام ويسوقه الطفل .
أو يدعوا إنسانا عاجزا ضعيفا تصيبه الأمراض وتؤذيه الشوكة ويغلبه النوم والنعاس ، ويدركه الموت ولوكان في بروج مشيدة