( أين نجدُ الكنزَ المفقود ؟ )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
فقد أخرج الطبراني رحمه الله عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أولُ ما يُرفع من هذه الأمة الخشوع )
تُرى أين نجد هذا الكنز المفقود ؟
كلنا ذلكم الرجل الذي أُصيب في خشوعه في صلاته أو في قراءته للقرآن أو في سائر عبادته ، أظن والعلم عند الله أن هناك أسبابا تُهيئ الإنسان إلى أن يظفر بالخشوع الذي هو في الحقيقة كنز عظيم من افتقده فقد افتقد خيرا عظيما ، أُوصي نفسي وأوصيكم بهذه الأسباب :
أولا :
أن يستحضر الإنسان حينما يصلي أنه يناجي ربه وأن الله عز وجل في قبلته ، كما ثبت بذلك الحديث الصحيح ، ولذا نحن إذا شرعنا في الصلاة ماذا نقول ؟ ( الله أكبر ) ما معنى هذه الكلمة ؟ معناها أن الله عز وجل أكبر من كل شيء ، يعني عليك أن تُلغي كل شيء يخطر في قلبك ، لم ؟ لأنه لا أكبر من الله ( الله أكبر ) ولذا نقولها في انتقالاتنا ، في الركوع ، في السجود ، في الانتقال من ركن إذا ركن ، بل إذا رفعنا من الركوع ماذا نقول ؟ نقول ( سمع الله لمن حمده ) نحن نريد أن نستشعر أن الله عز وجل يسمعنا وأنه يستجيب لدعائنا ، لم ؟ لأنك تناجي الله عز وجل ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أحدكم إذا صلى فإنه يناجي ربه فلينظر بم يناجي ربه ) نحن إذا قرأنا الفاتحة قرأناها من غير تمعن وتدبر ، إذا ركعنا قلنا ( سبحان ربي العظيم ) بل إن بعضنا ربما يدخل مع الإمام ولا يدري أن الإمام قد فرغ من جميع الركعات وأنه على وشك أن يُسلم ، لم ؟ لأن القلب منصرف إلى غير هذه الصلاة ، والله لو دخلنا هذه الصلاة بخشوع وطمأنينة لخرجنا منها بإيمان غير الإيمان الذي دخلنا به ، ولذلك ماذا قال عز وجل ؟ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } أول صفة ؟ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }المؤمنون1
الله عز وجل سمى الصلاة إيمانا لأنها تأتي بالإيمان وتزيده ، قال تعالى { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }البقرة143 ، يعني صلاتكم .
ثانيا : من الأسباب المعينة على الخشوع :
أن نستشعر الموت في صلاتنا ، عند الديلمي بسند حسنه ابن حجر رحمه الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اذكرْ الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يُحسِّن صلاته ) ولذا بعض السلف يقول " أدخل الصلاة واستشعر أن النار عن يساري والجنة عن يميني والصراط تحت قدمي والله مُطلع علي ، ولا أدري أقبلت أم لا ؟ ) فهذا استشعار ، ولذا في مسند الإمام أحمد قال عليه الصلاة والسلام ( إذا صليت فصلِ صلاة مُودِّع ) يعني كأنك لن تعيش بعد هذه الصلاة ، يعني لو علم أحدنا بأن هذه الصلاة التي دخل فيها ستُقبض روحه بعدها ، كيف حاله في هذه الصلاة ؟ ماذا ترى ؟ ترى الخشوع ، ترى الدموع ، ترى الخشية من الله عز وجل ، فإذا اعتنى الإنسان بهذه الصلاة وصلى وهو معتقد أن هذه الصلاة ربما تكون هي الصلاة الأخيرة التي يؤديها ، لربما حسَّن صلاته .
ثالثا : من الأسباب المعينة على الخشوع :
أن يتخلى الإنسان عن الصوارف والمشاغل التي تشغله ، ومن بين هذه الشواغل " الدنيا "فلا تزاحم الدنيا الآخرة – ولا يعني أن الإنسان يترك الدنيا – كلا - { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }القصص77 { وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }البقرة201 ، لكن لا تزاحم الدنيا الآخرة تزاحما عظيما شديدا كحالنا ، الصحابة رضي الله عنهم كانوا يطلبون الدنيا ، ولكن الدنيا لم تزاحم الآخرة ، ولذا يقول الذهبي رحمه الله كما في " سير أعلام النبلاء " يقول " إن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا رأيته في تجارته قلت هذا لا يريد الآخرة طرفة عين ، وإذا رأيته بالليل قلتَ هذا رجل لا يريد الدنيا طرفة عين " فيه اعتدال وتوازن ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما أُعطي خميصة أبي جهم رضي الله عنه ، الخميصة : كساء من قطن لها أعلام ، فألهته عن صلاته ، فقال ( اذهبوا بخميصتي إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني عن صلاتي آنفا ) وهي يسيرة ألهت النبيَ عليه الصلاة والسلام عن صلاته ، فكيف بحالنا ؟
رابعا : من الأسباب المعينة على الخشوع :
أن يستحضر أن بتركه للخشوع قد سرق سرقة ، نحن قد نُصنَّف من السُرَّاق إذا لم نخشع في صلاتنا ، كما جاء في المسند قال عليه الصلاة والسلام ( أسوء الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قيل كيف يا رسول الله ؟ قال لا يُتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها ) هذه هي السرقة الحقيقية ، ولذلك حذَّر النبي عليه الصلاة والسلام من الالتفات ، ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها ( قال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله " إن الالتفات نوعان حسي ومعنوي " الحسي أن يلتفت برأسه ، والمعنوي أن يلتفت بقلبه "
ولذلك في الحديث ( لا يزال الله مُقبلا على العبد في صلاته فإذا انصرف عنه انصرف الله عنه ) أي إذا انشغل بقلبه عن الله عز وجل ، لم ؟ لأن الله عز وجل في قبلته ، فأنت تناجي الله عز وجل .
خامسا : من الأسباب المعينة على الخشوع :
أن يتذكر العبد أنه كلما فاته الخشوع كلما فاته الأجر من الله عز وجل ، ولذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود وأحمد قال ( إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يُكتب له إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها ) فالناس يتفاوتون في هذه الصلاة .
سادسا : من الأسباب المعينة على الخشوع :
أن يدعو العبد ربه عز وجل أن يرزقه قلبا خاشعا ، ولذلك من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( وأعوذ بك من قلب لا يخشع ) لأن المصاب – أيها الأحبة – أن القلب إذا لم يخشع لم تدمع العين ، فهذه حقيقة من لم يخشع قلبه لن تدمع عينه ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله " إذا قسا القلب قحطت العين " وقال رحمه الله " وما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من أن يقسو قلبه " لأنه إذا قسا قلبه – نسأل الله العافية – لا نسأل عن حاله ، فيدعو العبد ربه أن يرزقه الخشوع ، ولذلك إذا خشعنا في صلاتنا نهتنا هذه الصلاة عن الفحشاء{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }العنكبوت45 .
ولذا يقول ابن القيم رحمه الله " الناس في الصلاة على خمسة أصناف " وكلٌ منا يُصنف نفسه
الصنف الأول " رجل مفرط في صلاته ، لا يهتم بوقتها ولا بأركانها ،فهذا معاقب " يعاقبه الله .
الصنف الثاني : " رجل يأتي بأركان الصلاة وبواجباتها ولكنه من حين ما يدخل في الصلاة إلى أن يخرج منها لم يعقل منها شيئا ،فهذا محاسب "
الصنف الثالث " رجل إذا دخل الصلاة أتته الوساوس لكنه في صراع معها ، يريد أن يتخلص منها وهو في صراع معها ، فهذا مُكفَّرٌ عنه ، لأنه يريد أن يُغير من حاله "
الصنف الرابع " رجل أتى بالأركان وبالواجبات وبالمستحبات وخشع في صلاته ، فهذا مُثاب "
الصنف الخامس " رجل أتى بالأركان وبالواجبات وبالسنن وخشع قلبه ويستحضر أن الله أمامه ، فهذا مُقرب من الله عز وجل " لأن العبد بينه وبين الله صلة وهي هذه الصلاة ، فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا ويقينا صادقا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول